لم يعد المشهد الإعلامي في المغرب على حاله كما كان قبل عقدين، حينما كانت المعلومة حكراً على القنوات الرسمية وبعض الصحف الورقية. فقد فرضت التحولات الرقمية واقعاً جديداً، حيث برزت الصحافة الإلكترونية بوصفها فاعلاً مؤثراً في صناعة الرأي العام، وفي مرافقة التحولات المجتمعية والسياسية التي يعرفها المغرب. وتطورت هذه المنصات إلى أدوات تتجاوز مجرد نقل الخبر، لتُمارس أدواراً تمتد إلى الرقابة، التحليل، والتثقيف، وبشكل خاص، تغطية الشأن المحلي والمساهمة في الدينامية التنموية.
1. ولادة جيل إعلامي جديد
شهدت السنوات الأخيرة تزايداً ملحوظاً في عدد المواقع الإخبارية المغربية، بعضها وُلد من رحم الحاجة إلى إعلام بديل يتناول قضايا الشارع والمجتمع، وبعضها الآخر جاء امتداداً رقمياً لمؤسسات قائمة. هذا الانفجار في المشهد الرقمي لم يكن ظاهرة عابرة، بل جاء استجابةً لطلب اجتماعي متنامٍ على الخبر السريع، الدقيق، والمقرب من المواطن.
الصحافة الرقمية اليوم لم تعد تشتغل بمنطق التلقي فقط، بل تفاعلية بامتياز. فالقارئ لم يعد مجرد مستهلك للخبر، بل أصبح مساهماً في توجيه النقاشات وطرح القضايا، من خلال التعليقات، والمشاركة في المحتوى، وحتى في تقديم المعطيات. هذه الدينامية أعادت تشكيل العلاقة بين الإعلام والمجتمع، وجعلت من المواقع الرقمية مرآة تعكس نبض الشارع وهمومه اليومية.
2. التغطية المحلية: الصحافة تقترب من المواطن
أحد أبرز وجوه نجاح الصحافة الرقمية في المغرب يتمثل في قدرتها على توسيع دائرة الاهتمام لتشمل القضايا المحلية التي ظلت لعقود مغيبة أو مهمشة في الإعلام الوطني. من خلال التقارير الميدانية، والمتابعات المستمرة للشأن المحلي، باتت الصحافة الإلكترونية تعبّر عن واقع مختلف الجهات والمدن، بما في ذلك المناطق النائية.
لقد أصبحت متابعات مثل أخبار طنجة نموذجاً لهذا الانفتاح على تفاصيل الحياة اليومية للمواطن المغربي، حيث تنقل المنصات الإخبارية مشاكل البنية التحتية، قضايا التعليم، أنشطة المجتمع المدني، بل وتفتح النقاش حول السياسات المحلية. هذا التركيز على القرب منح الإعلام الرقمي مصداقية متزايدة، وأكسبه قاعدة جماهيرية واسعة، خاصة في أوساط الشباب.
3. الإعلام والتنمية: من رصد المشكلات إلى دفع الحلول
لا يقتصر دور الصحافة الرقمية على التوثيق والتغطية، بل يتجاوز ذلك إلى المساهمة الفعلية في التنمية، عبر كشف النقائص وتوجيه الاهتمام العمومي نحو القضايا ذات الأولوية. سواء تعلق الأمر بالإفصاح عن تعثر المشاريع التنموية، أو مراقبة أداء المجالس المنتخبة، أو تسليط الضوء على المبادرات المجتمعية الناجحة، فإن الإعلام الرقمي بات قوة موازية تفرض نوعاً من المساءلة وتدفع نحو التغيير.
لقد تحولت بعض المواقع الإخبارية إلى منصات توجيه مدني، تُحرك الرأي العام وتفرض تفاعلاً من طرف المسؤولين. كما ساهمت في دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، من خلال تغطية مشاريع الشباب والمقاولات الصغرى، ونقل صوت الفئات الهشة والمهمشة، ما يعزز من حضور البعد التنموي في الأداء الإعلامي الجديد.
4. تحديات الاستقلالية والمهنية
رغم هذه الإيجابيات، لا يمكن إغفال التحديات التي تواجه الصحافة الرقمية في المغرب. فغياب إطار تشريعي كافٍ لحماية استقلاليتها، وتضارب المصالح أحياناً بين التحرير والإعلانات، كلها عناصر قد تؤثر على جودة المحتوى وحياديته. يضاف إلى ذلك التفاوت في القدرات المهنية بين مختلف الفاعلين، مما يجعل بعض المنصات عرضة للأخبار الزائفة أو الانحياز.
من هنا تبرز الحاجة الملحة إلى تطوير منظومة تكوين الصحفيين الرقميين، وتعزيز أخلاقيات المهنة، وخلق نماذج اقتصادية مستدامة تضمن الاستمرار دون الخضوع للضغوطات. وهو ما يتطلب جهوداً مشتركة بين المؤسسات الإعلامية، الدولة، والمجتمع المدني.
5. الجالية المغربية والإعلام كصلة وصل
جانب آخر لا يقل أهمية هو العلاقة بين الإعلام الرقمي والجالية المغربية بالخارج. فقد شكلت هذه المنصات جسراً فعّالاً يربط المهاجرين بوطنهم الأم، ويُمكّنهم من مواكبة التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية لحظة بلحظة. من خلال التغطيات المتواصلة للأحداث المحلية، خاصة في المدن والجهات التي ينحدر منها عدد كبير من أفراد الجالية، يشعر المواطن المقيم بالخارج بأنه شريك في النقاش الوطني، وله رأي ومكان في المشهد العام.
كما أن تناول الإعلام الرقمي لقضايا الهجرة والاندماج، وتفاعله مع هموم الجالية، يمنحه بعداً عالمياً، ويُعزز من قيمته كوسيلة تواصل عابرة للحدود، تنقل صورة المغرب إلى الخارج، وتبني جسوراً بين الأجيال.
6. نحو مستقبل إعلامي مسؤول وشامل
المسار الذي خطته الصحافة الرقمية في المغرب خلال العقد الأخير، يؤكد أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والمؤسساتي. لكن الحفاظ على هذا الزخم يقتضي الارتقاء بجودة المحتوى، وتنويع أشكاله، وضمان توازن بين السرعة والمصداقية، بين الحضور الرقمي وعمق الطرح.
من الأمثلة البارزة في هذا المسار نجد موقع المغربي، الذي يطمح إلى تقديم محتوى إخباري شامل، يغطي جوانب متعددة من الحياة المغربية، من أخبار المغرب إلى المواضيع المحلية والدولية، مما يبرز أهمية التنوع في العمل الإعلامي، ويؤكد على دور الصحافة في بناء مجتمع المعرفة والمواطنة.
في ظل هذا المشهد المتغير، تبقى الحاجة قائمة إلى دعم الصحافة الرقمية، ليس فقط مادياً، بل أيضاً من خلال ضمان حرية التعبير، وحماية الحق في الوصول إلى المعلومة، وتشجيع روح النقد البناء. فالإعلام، كما يُقال، مرآة المجتمع، وكلما كانت هذه المرآة أكثر صفاءً، كان المستقبل أكثر وضوحاً.